الاثنين، 6 يناير 2014

الموت وهاري بوتر


قبل صدور الجزء السابع والأخير من سلسلة روايات هاري بوتر، كان مجتمع محبي السلسلة يكاد يشتعل بالنظريات والنقاشات..
أغلبها كان يدور حول موضوع الموت.. ولا عجب، إذ عنوان الرواية المنتظرة كان (هاري بوتر ومقدسات الموت)!

في الجزء السابق، السادس، (الأمير الهجين)، تم قتل أهم شخصية في عالم السحرة.. الساحر دمبلدور، ناظر مدرسة هوجوارتس، على يد البروفيسور سيفيروس سنيب. وهو حدث هز محبي الرواية وعالم هاري بوتر، إلا أنه كان ضروريا للحبكة.
فكل سنوات دراسة هاري في المدرسة كانت تحت إشراف الناظر القوي دمبلدور بشكل أو بآخر.. وحيث أن الرواية الأخيرة يجب أن تركز على الصراع بين الشرير فولدمورت وهاري بوتر، فوجود شخصية قوية مثل دمبلدور كان سيبعد التركيز عن هاري. فالروايات - قبل كل شيء - تحكي رحلة هاري بوتر، لا رحلة دمبلدور!
وعلى الرغم من هذا فقد كان ألبوس دمبلدور هو الحاضر الغائب في الرواية الأخيرة.. إذ أفردت المؤلفة ج.ك.رولينج له عدة فصول تحكي قصة حياته في شبابه، قبل أن يعرفه بوتر.
دمبلدور
لكن الفترة البينية التي كانت بين الجزئين السادس والسابع شهدت ظهور نقاشات عنيفة تدور حول شيئين:
1- هل مات دمبلدور فعلا، أم أن المسألة خدعة.. أم يا ترى هل سيعود من الموت في الجزء الأخير؟
2- أي من أبطال الرواية الثلاثة - هاري ورون وهرميوني - سيموت مع نهاية الصراع والحرب الدائرة بين قوى الخير والشر في عالم السحرة؟

عشرات النظريات استمعت لها وقرأتها في تلك الفترة. وكنت أتابع أشهر بودكاست (مدونة صوتية) يصدرها الهواة المحبين للسلسلة، وأقصد بالطبع بودكاست ماجِل-كاست MuggleCast والذي استمر لما يقارب الـ 200 حلقة !!
وتطوع شخص ما بنشر موقع إلكتروني يجمع "أدلة" حياة دمبلدور وأنه لم يمت كما ظهر من أحداث الجزء السادس.. وحاز موقع DumbledoreIsNotDead.com على شهرة واسعة، ثم خبا بريقه بعد ظهور الجزء السابع الذي أكدت فيه المؤلفة موت دمبلدور.

في الجزء السابع من الرواية زار هاري قبر والديه لأول مرة. وقرأ على شاهد قبرهما جملة محفورة، مصدرها الإنجيل، ومنسوبة لبولس:
«آخر عدو سيُباد هو الموت» رسالة كورنثوس الأولى 15: 26
والمقصود هو أن يسوع سيقضي على الموت ذاته.
قبر والد ووالدة هاري بوتر
وهي فكرة الساحر الشرير فولدمورت وأتباعه من "آكلي الموت Death Eaters" الذي بحث عن الخلود عن طريق تقسيم روحه لأجزاء سبعة ليصعب قتله والتخلص منه!
في حين أن الرواية توجه القارئ لفكرة أن الموت لا مفر منه.. وأنه مرحلة على الإنسان أن يتقبلها لينتقل بها من هذه الحياة للحياة الأخرى.
فأم هاري وأبوه ماتا.. وأبوه الروحي (سيريوس بلاك) مات أيضا مقتولا.. ومعلمه ومرشده ألبوس دمبلدور مات.. لكن ذكراهم تحيا معه.

والجزء الأخير اسمه (هاري بوتر ومقدسات الموت) لسبب محدد، وهو أن القصة الأساسية في هذا الجزء تدور حول حكاية شعبية معروفة في عالم السحرة.. حكاية الإخوة الثلاثة الذين قابلوا الموت فأعطاهم ثلاث هدايا سحرية خارقة.
تقول الحكاية أن الأول كان مغرورا وأراد أن يذل الموت فطلب منه هدية هي عبارة عن عصا سحرية مقاتلة تنتصر في كل المبارزات..
والثاني طلب حجرا سحريا يستطيع به إعادة الموتى للحياة..
أما الثالث فكان ذكيا متواضعا، فطلب رداءا سحريا يحجب مرتديه عن كل الأنظار.. حتى عن نظر الموت ذاته.
الأخ الأول ذاعت شهرته وشهرة عصاه التي لا تهزم.. مما أثار حسد الحاسدين، فقتله أحد الأشخاص في نومه وسرق العصا منه.. ومن يومها تتناقلها يد بعد الأخرى، ناثرة الدمار والقتل أينما حلت.
والأخ الثاني أعاد حبيبته المتوفاة للحياة.. لكنها عادت كشبه شبح، غريبة عن الدنيا، مما أصابه بالاكتئاب فانتحر ليلحق بها.
وهكذا، تقول الحكاية، انتصر عليهما الموت.. ومات كلاهما.
أما الثالث فعاش حياته كاملة، والموت لا يراه، حتى إذا شبع من الحياة خلع رداءه وأعطاه ميراثا لابنه، وذهب مع الموت برضاه.
وتقول الحكاية أن من يستطيع تجميع الأشياء الثلاثة معه فسيكون "سيدا على الموت Master of Death".. وهو حلم سعى الكثيرون لتحقيقه بلا جدوى.
علامة مقدسات الموت
الدائرة للحجر، والخط للعصا، والمثلث رمز للرداء المحيط بالاثنين
وخلال أحداث الجزء السابع يعرف القارئ أن رداء الاختفاء وصل بالميراث إلى أبي هاري بوتر، ثم حفظه دمبلدور بعد موت الأب إلى أن أعطاه لهاري فيما بعد.
وأن حجر القيامة من الأموات كان ميراثا عائليا لدى فولدمورت، لكنه كان يجهل قصة المقدسات أصلا فلم يدرك أهميته.. وانتقل الحجر فيما بعد إلى دمبلدور الذي وجده بعد بحث، ثم أعطاه في وصيته - بعد موته - لهاري أيضا.
أما العصا القاتلة فكانت مع دمبلدور طيلة حياته، لأنه الأقدر على استخدامها الاستخدام الأمثل، في الخير دون الشر.. ثم تم دفنها مع جثته في قبره.
ولما علم فولدمورت بهذا سرقها من القبر لأنها أقوى أداة للقتل معروفة في عالم السحرة.

وقد دار في ذهني سؤال.. ما معنى أن من يجمع الثلاثة سيكون سيدا للموت ومتحكما فيه؟.. فالإجابة لم ترد صريحة في الرواية..
ثم عرفت الإجابة لما تذكرت رد النمرود على إبراهيم حين قال له: أنا أحيي وأميت!
فالعصا تقتل.. أي تسبب الموت.
والحجر يعيد الميت للحياة.
والرداء يحجب صاحبه عمن يريد قتله.
فصاحب الثلاثة يمكنه - على الأقل نظريا - قتل أعدائه، وحماية نفسه من القتل، وإعادة حلفائه المقتولين إلى الحياة!

لكن في نهاية الرواية يؤمن الأبطال أن الموت يجب تقبله حين يأتي.. وأن الهرب منه جبن.
ويتأكد هاري من هذا نتيجة لحواره مع أحد الأسباح الساكنين في هوجوارتس.. حيث يقول له أن كل ميت في عالم السحرة يتم تخييره بين الانتقال للحياة الأخرى أو البقاء في عالم الأحياء في صورة شبحية شفافة.. وأن خيار الجبناء هو البقاء كشبح!

وكنت عندما اقرأ سِفر التكوين التوراتي تعجبني جملة استخدمها المؤلفون لوصف موت إبراهيم عليه السلام:
«وفاضت روح إبراهيم ومات بشيبة صالحة، شيخا شبع من الحياة، وانضم إلى آبائه» تك 25: 8

ولنقارن هذا مثلا بموقف إبليس حين طلب من الله إمهاله وإطالة حياته إلى قرب يوم القيامة.. مع أن الشيطان متأكد من أن نهايته لا محالة ستكون في الجحيم!

«قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ» الحِجر 36
فطول عمره لن ينفعه بشيء.
وحياة قصيرة صالحة هي أفضل من طويلة فاسدة.. وإن كانت البركة في العمر مطلب جميع البشر.
فاللهم بارك في أعمارنا واجعلها في طاعتك.

أما اليهود فمسألة الموت تشكل هاجسا قويا عندهم.. ويحلمون بالخلود، وبأن الموتى منهم سيُبعثون للحياة الدنيا مرة أخرى حين يأتي مسيحهم المنتظر، فيعيشون معه ملوكا لمدة ألف عام.. فيما يعرف بعقيدة (المُلك الألفي).
ولاحظ أنه لا تركيز في اليهودية الحاخامية على الآخرة والجنة والنار.. بل كل اهتمامهم في المسألة منصب على وهم الحياة لألف عام في المستقبل!

« قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *
وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ *
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا
يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ
وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ » سورة البقرة 94-96

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق