الاثنين، 29 ديسمبر 2014

ضعف قصة فداء أسرى بدر وتعليم الكتابة لصبيان الأنصار

هناك حادثة مزعومة ، غالبا ما يستشهد بها الكتاب والدعاة والخطباء والوعاظ، في كل مناسبة يُستَجرُّون فيها للحديث عما يسمى اليوم بـ ( مكافحة الأمية ) ، استدلالاً منهم على مدى حرص الإسلام على الخلاص من هذا (الوباء) ، ونشر تعليم الكتابة بين أبنائه ، ألا وهي قصة أسرى بدر من المشركين ، إذ يزعمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل فداء بعض أسارى المشركين يوم بدر ، أن يعلموا أولاد المسلمين الكتابة.

ففي مسند الإمام أحمد : عن علي بن عاصم قال : قال داود بن أبي هند : حدثنا عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء ، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فداءهم ، أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة ، قال : فجاء يوما غلام يبكي إلى أبيه ، فقال : ما شأنك ؟ قال : ضربني معلمي ، قال : الخبيث يطلب بذحل بدر (أي ينتقم طلبا للثأر) ، والله لا تأتيه أبداً.

وهذه الرواية ليست ثابتة من وجهين :
الأول : من حيث سندها ، ففيه ، علي بن عاصم بن صهيب الواسطي شيخ الإمام أحمد وداود بن أبي هند .
أما علي بن عاصم ، فقد قال فيه أبو حاتم : ( لين الحديث ، يُكتَبُ حديثُه ولا يُحتَجُّ به ) .
كما ونقل عن يزيد بن زريع قوله : ( أفادني علي بن عاصم أحاديث عن خالد الحذَّاء ، فأتيت خالداً الحذاء فأنكرها ، وما عرف منها واحداً ، وأفادني عن هشام بن حسان ، فأتيت هشاماً ، فسألته عنه ، فأنكره وما عرف ) .
وقال يحيى بن معين فيه : ( علي بن عاصم ليس بثقة ) .
وقال الإمام أحمد : ( خذوا من حديثه ما صح ، ودعوا ما غلط أو أخطأ فيه ) .
وقال ابنه عبد الله : ( كان أبي يحتج بهذا ، وكان يقول : كان يغلط ويخطئ ، وكان فيه لجاج ، ولم يكن متهماً بالكذب ) .
وقال عنه الحافظ في التقريب : ( علي بن عاصم بن صهيب الواسطي صدوق ، يخطئ ، ويصر ، ورُمي بالتشيع ) .
كما وضعفه الألباني في ( السلسلة الضعيفة ) وقال فيه : (ضعيف الحديث)
أما ( داود بن أبي هند ) ، فقد قال عنه الحافظ في التقريب : ( داود بن أبي هند ثقة متقن ، كان يهم بآخره ) .
الثاني : أن الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في طريقة معالجته لمسألة الأسرى ، أنه لم يكن يتجاوز مجموعة هذه المعالجات:
1 - القتل.
2 - المفاداة بمال.
3 - المفاداة بمن في أيدي المشركين من أسرى المسلمين.
4 - الاسترقاق.
5 - العفو.
ولم يرد في رواية صحيحة ثابتة ، أنه جعل تعليم أسرى المشركين لأبناء المسلمين الكتابة فداء لهم من أسرهم ، وهذه هي كتب السنة والسيرة والفقه ، تتحدث عن فداء الأسرى ، ولا تذكر شيئاً غير الذي قلناه . ومن ذلك كله ، يتبين سقوط الاحتجاج بهذه الرواية ، في إثبات هذه المسألة.



المصدر: مجلة البحوث الإسلامية - السعودية
 
بقلم : مصطفى بن عيد الصياصنة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق