الاثنين، 21 أبريل 2014

تفسير (أدنى الأرض) ليس البحر الميت

 لسنين طويلة كنت أسمع أتباع الإعجاز العلمي يقولون أن نبوءة سورة الروم تدل على أن هزيمة الروم كان في "أخفض مكان على سطح الكرة الأرضية"
وهذا من الكذب!
بل هو فرع من توجه فكري ضار، يربط نصوص الوحي بنظريات "علمية" غربية.. لكن هذا ليس موضوعنا الآن.

حقائق المسألة كالتالي:
غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ

- الإمبراطورية الرومية البيزنطية النصرانية لاقت هزيمة ساحقة على يد الفرس المجوس
- حزن المسلمون، لأن الروم أهل كتاب والفرس وثنيون
- جاءت البشارة القرآنية بأن الروم سينتصرون على فارس.. مع أن الوضع السياسي وقتها كان بشير لانكسار الروم وقرب انهيار امبراطوريتهم تماما
- عاد هرقل ملك الروم للمشهد بقوة، وانتصر على كسرى ملك الفرس.


تقول الآيات أن الروم تمت هزيمتهم في "أدنى الأرض"
فسرها المفسرون بأنها تعني أقرب أرض الشام لبلاد العرب، أو أقرب أرض الشام لبلاد فارس. أي منطقة على الحدود السياسية.
والشام يشار لها في القرآن كثيرا بكلمة الأرض، كما في سورة الإسراء، وقصة تيه بني إسرائيل.

جاء أتباع مسألة الإعجاز العلمي وقالوا أن أدنى تعني أعمق أو أخفض، وأن أخفض مكان على القشرة الأرضية - في اليابسة - هو البحر الميت (بين فلسطين والأردن حاليا) ، ثم لصقوا هذا التفسير بمسألة هزيمة الروم على يد فارس.

أدى هذا إلى مصيبة كبيرة في رأيي! حيث تلقفه النصارى يشنعون به.. لأنه مخالف للحقائق وللتاريخ.


النبوءة تحققت بأن انتصر الروم على الفرس بعد نزول آيات سورة الروم المكية.. وحدث الانتصار في بضع سنين، أي ما بين الـ 3 إلى الـ 9
لكن هزيمة الروم لم تكن في منطقة البحر الميت أصلا! بل في المعركة الشهيرة، معركة أنطاكية، سنة 613 م
وأنطاكية الآن في تركيا، بالقرب من سوريا. أي بعيدة جدا عن منطقة "أعمق" الأرض.

ولهذا فانتشار تفاسير أتباع الإعجاز العلمي يؤدي إلى تحريف معاني القرآن في عقول المسلمين، وإعطاء شبهات جاهزة لأعداء الإسلام.
=====

مقال ويكيبيديا عن الحروب البيزنطية الساسانية
http://en.wikipedia.org/wiki/Byzantine-Sassanid_War_of_602-628

معركة أنطاكية 613 التي غلب فيها الفرس الروم
http://en.wikipedia.org/wiki/Battle_of_Antioch_(613)

معركة إسوس التي انتصر فيها الروم على الفرس سنة 622
(في تركيا. ومكانها الفعلي حسب المؤرخين ليس إسوس، بل Cappadocia)
https://en.wikipedia.org/wiki/Heraclius'_campaign_of_622

لاحظ أن الفترة الزمنية بين الهزيمة والانتصار هي 9 سنوات.
=====
والآن نأتي لمسألة الآثار المتضاربة حول هذه المسألة.
فبعض الآثار الحديثية تفسر فرحة المسلمين يوم انتصار الروم على الفرس بأنه وافق يوم انتصار المسلمين على المشركين في غزوة بدر، أو يوم صلح الحديبية.
لاحظ أن غزوة بدر كانت 624م ، وصلح الحديبية 628 م .. (أي بعد 11 و 15 سنة بعد هزيمة الروم! مما لا يوافق فترة البضع سنين)

لكن سأطرح هنا فكرة لمن يريد البحث في الموضوع مستقبلا..
هل النص القرآني يقول أن فترة البضع سنين تبدأ من تاريخ هزيمة الروم، أم من تاريخ نزول الآيات نفسها؟!!
=====

هناك أيضا بعد تاريخي هام غفل عنه كثير من المؤرخين المسلمين.. وهو دور اليهود.
فهزيمة الروم كانت بأن تحالف اليهود مع الفرس المجوس ضد النصارى، وساعدوهم في قتال البيزنطيين.
ولك أن تتصور عقاب النصارى لهم بعد استعادة هرقل للقدس!
(سمعت أن النصارى اخترعوا صياما خاصا للتكفير عن المذابح التي فعلوها في اليهود!)

والغريب أنه حين حزن المسلمون لهزيمة الروم أهل الكتاب على يد الوثنيين، نجد أن اليهود على العكس تماما، حيث أعانوا الوثنيين ضد أهل الكتاب! مع أنهم يشتركون في الإيمان بنفس "الكتاب" (العهد القديم)
=====


هامش:
تدليس د/زغلول النجار في المسألة يمكن اكتشافه من كلامه التالي:

«...ولكن الدراسات الحديثة تؤكد أن منطقة حوض البحر الميت‏,‏ بالإضافة إلي كونها أقرب الأراضي التي كان الروم يحتلونها إلي الجزيرة العربية هي أيضا أكثر أجزاء اليابسة انخفاضا‏,‏ حيث يصل منسوب سطح الأرض فيها إلي حوالي الأربعمائة متر تحت متوسط مستوي سطح البحر‏,‏ وان هذه المنطقة كانت من مناطق الصراع بين امبراطوريتي الفرس والروم‏,‏
وأن المعركة الحاسمة التي أظهرت جيوش الفرس علي جيوش امبراطورية روما الشرقية‏(‏ الامبراطورية البيزنطية‏)‏ لابد أنها وقعت في حوض البحر الميت‏,‏
وان الوصف بـ أدني الأرض هنا كما يعني أقربها للجزيرة العربية‏,‏ يعني أيضا أنها أكثر أجزاء اليابسة انخفاضا‏,‏ وهذه الإشارة القرآنية العابرة تعتبر من السبق العلمي في كتاب الله‏,‏ لأن أحدا لم يكن يعلم هذه الحقيقة في زمن الوحي بالقرآن الكريم‏,‏ ولا لقرون متطاولة من بعده‏.‏

ولابد أن كثيرا من معاركهما الحاسمة قد وقعت في أرض الأغوار»»

لاحظ أنه يعرف أن التاريخ لا يقول أن مكان معركة هزيمة الروم كان في منطقة البحر الميت، لكنه يقترح أنه "لا بد" أن المعركة حدثت هناك! كي يستقيم المعنى مع نظريته!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق