الخميس، 24 يونيو 2010

تابع مفسدات القلب :- فضل الطعام والنوم

تابع مفسدات القلب :- فضول الطعام
ذكرنا من قبل ونأكد على معنى الفضول.
معنى الفضول :-
فإن الفضول جمع فضل، والفضل في اللغة: المزية... والزيادة من كل شيء.. والبقية من الشيء لا يحتاج لها.
والفضول غلب استعماله على ما لا خير فيه حتى صار بالغلبة كالعلم لهذا المعنى، والفضولي: هو من يشتغل بما لا يعنيه، نسبة له إلى الزيادة عن الحاجة أو البقية من الشيء... وهو عند أهل العلم من يتصرف في حق الغير بلا إذن شرعي، لكون تصرفه صادراً من غير ملك ولا وكالة ولا ولاية. انظر لسان العرب والموسوعة الفقهية. (1)
قال الشيخ أحمد فريد حفظه الله في البحر الرائق .
والبطن على التحقيق ينبوع الشهوات ومنبت الأدواء والآفات ، إذ يتبعها شهوة الفرج ثم تتبع شهوة الطعام والنكاح شدة الرغبة في الجاه والمال اللذان هما وسيلة إلى التوسع في المطعومات ، ثم يتبع استكثار المال والجاه وأنواع الرعونات وضروب المنافسات والمحاسدات وكل ذلك ثمرة إهمال المعدة وما يتولد منها من بطر الشبع والامتلاء، ولو ذلل العبد نفسه بالجوع لأذعنت لطاعة الله عز وجل ولم تسلك سبيل البطر والطغيان ، فعن المقدام بن معد يكرب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطن ، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"(1)
وهذا الحديث أصل جامع لأصول الطب كلها، وقد روى أن ابن أبي ماسويه الطبيب لما قرأ هذا الحديث في كتاب أبي خيثمة قال : لو استعمل الناس هذه الكلمات لسلموا من الأمراض والأسقام ولتعطلت المارشايات ودكاكين الصيادلة، وإنما قال هذا لأن أصل كل داء التخم ، فهذا من منافع قلة الغذاء وترك التملوء من الطعام بالنسبة إلى صلاح البدن وصحته.
وأما منافعه بالنسبة إلى القلب وصلاحه فإن قلة الغذاء توجب رقة القلب وقوة الفهم وانكسار النفس وضعف الهوى والغضب ، وكثرة الغذاء توجب ضد ذلك ، وقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى التقلل من الأكل في الحديث المتقدم وقال : " حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه " وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" المؤمن يأكل في معي واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء "(2) والمراد أن المؤمن يأكل بآداب الشرع فيأكل في معي واحد والكافر بمقتضى الشهوة والشره ، والنهم فيأكل في سبعة أمعاء،
وذكر في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي في شرح
الحديث رقم 1741 / كتاب الأطعمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(و قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ , فَقِيلَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ ظَاهِرَهُ وَإِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ ضُرِبَ لِلْمُؤْمِنِ وَزُهْدِهِ فِي الدُّنْيَا , وَالْكَافِرِ وَحِرْصِهِ عَلَيْهَا , فَكَانَ الْمُؤْمِنُ لِتَقَلُّلِهِ مِنْ الدُّنْيَا يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ , وَالْكَافِرُ لِشِدَّةِ رَغْبَتِهِ فِيهَا وَاسْتِكْثَارِهِ مِنْهَا يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ , فَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْأَمْعَاءِ وَلَا خُصُوصَ الْأَكْلِ , وَإِنَّمَا الْمُرَادُ التَّقَلُّلُ مِنْ الدُّنْيَا وَالِاسْتِكْثَارُ مِنْهَا , فَكَأَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ تَنَاوُلِ الدُّنْيَا بِالْأَكْلِ وَعَنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ بِالْأَمْعَاءِ , وَوَجْهُ الْعَلَاقَةِ ظَاهِرٌ . ‏
‏وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ الْحَلَالَ وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ الْحَرَامَ وَالْحَلَالُ أَقَلُّ مِنْ الْحَرَامِ فِي الْوُجُودِ , نَقَلَهُ اِبْنُ التِّينِ . وَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ عِمْرَانَ نَحْوَ الَّذِي قَبْلَهُ . وَقِيلَ الْمُرَادُ حَضُّ الْمُؤْمِنِ عَلَى قِلَّةِ الْأَكْلِ إِذَا عَلِمَ أَنَّ كَثْرَةَ الْأَكْلِ صِفَةُ الْكَافِرِ , فَإِنَّ نَفْسَ الْمُؤْمِنِ تَنْفِرُ مِنْ الِاتِّصَافِ بِصِفَةِ الْكَافِرِ . وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَثْرَةَ الْأَكْلِ مِنْ صِفَةِ الْكُفَّارِ
قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ } .) ا.هـــ
hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?Doc=2&ID=41035&SearchText=معي واحد&SearchType=exact&Scope=0,1,2,3,4,5,6,7,8&Offset=0&SearchLevel=Allword

وندب صلى الله عليه وسلم مع التقلل من الأكل والاكتفاء ببعض الطعام إلى الإيثار بالباقي منه فقال : " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَقُولُ ‏ ‏ طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي ‏ ‏الِاثْنَيْنِ وَطَعَامُ ‏ ‏الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَةَ وَطَعَامُ الْأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ " (3) فأحسن ما أكل المؤمن في ثلث بطنه وشرب في ثلث وترك للنفس ثلثا كما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم : وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يجوعون كثيرا ، وإن كان ذلك لعدم وجود الطعام إلا أن الله لا يختار لرسوله إلا أكمل الأحوال وأفضلها ؛ ولهذا كان ابن عمر يتشبه به في ذلك مع قدرته على الطعام وكذلك أبوه قبله .
وعن عائشة قالت : " ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من خبز بر ثلاث ليال تباعا حتى قبض " .
قال إبراهيم بن أدهم : من ضبط بطنه ضبط دينه ، ومن ملك جوعه ملك الأخلاق الصالحة ، وإن معصية الله بعيده من الجائع قريبة من الشبعان ، ومن أكبر فوائد الجوع كسر شهوات المعاصي كلها ، والاستيلاء على النفس الأمارة بالسوء ، فإن منشأ المعاصي كلها الشهوات والقوى ، ومادة القوى والشهوات لا محالة الأطعمة فتقليلها يضعف كل شهوة وقوة ، وإنما السعادة كلها في أن يملك الرجل نفسه والشقاوة في أن تملكه نفسه ، وكما أنك لا تملك الدابة الجموع إلا بضعف الجوع ، فإذا شبعت قويت وشردت وجمحت فكذلك النفس.

ومن فوائد الجوع كذلك أنه يورث الانكسار والذل وزوال البطر والفرح والأشر الذي هو مبدأ الطغيان والغفلة عن الله تعالى ، فلا تنكسر النفس ولا تذل بشيء كما تذل بالجوع ، فعنده تسكن لربها وتخشع له وتقف على عجزها وذلها إذا ضاقت حيلتها بلقيمة طعام فاتتها ، وأظلمت عليها الدنيا لشربة ماء وتأخرت عنها .
وما لم يشاهد الإنسان ذل نفسه وعجزه لا يرى عزة مولاه ولا قهره ، وإنما سعادته في أن يكون دائما مشاهدا نفسه بعين الذل والعجز ، ومولاه بعين العز والقدرة القهر ، فليكن دائما جائعا مضطرا إلى مولاه .

------*-----*------*-----*------*------*------*
(1) أخرجه ابن ماجة /حققه الألباني / صحيح سنن ابن ماجة/ كتاب كتاب الأطعمة/باب الاقتصاد في الأكل وكراهة الشبع/ حديث رقم 3349 / صحيح .
(2) ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏ضَافَهُ ضَيْفٌ كَافِرٌ فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ حَتَّى شَرِبَ ‏ ‏حِلَابَ ‏ ‏سَبْعِ شِيَاهٍ ثُمَّ أَصْبَحَ مِنْ الْغَدِ فَأَسْلَمَ فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ ‏ ‏حِلَابَهَا ‏ ‏ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِأُخْرَى فَلَمْ يَسْتَتِمَّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏الْمُؤْمِنُ يَشْرَبُ فِي مَعْيٍ وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاء
(أخرجه الترمذي /حققه الألباني / كتاب الأطعمة عن رسول الله / ‏باب ما جاء أن المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء / حديث رقم 1819 / صحيح )
(3) رواه مسلم / اللمسند الصحيح / كتاب الأشربة / باب ‏فضيلة المواساة في الطعام القليل وأن طعام الاثنين يكفي‏ / حديث رقم 3836.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق