قبل عشر سنوات مر عليّ يوم من تلك الأيام الغريبة التي تغير حياة الإنسان ومساره.
ومع نهايته كنت قد فقدت الكثير بالفعل.
فقدت الشعور بالأمن.. والأمن من الحاجات الأساسية التي لا ينتبه أغلب الناس لأهميتها إلا عندما يتم تهديد استقرارها.
فقدت الثقة في أشخاص كنت أثق بهم قبل هذا.
وفقدت ما يمكنك أن تسميه بالطموح، أو الرغبة في تحقيق الذات.
التعافي من آثار هذا اليوم المأساوي استغرق فترة طويلة جدا.. وحتى الآن تعاودني مقتطفات من الذكريات التي تعيد الشعور بالحنق والغضب والكآبة.
الحمد لله على نعم مثل صفاء الذهن وراحة البال والنسيان. لن تقدرها حق قدرها إلا عندما تفقدها.
ومع كل هذا، فلم أفقد حب التعلم ولا الإيمان.. لم أفقد القدرة على التسامح ولا حب الآخرين، وإن صرت أفضل مراقبتهم من بعيد دون الاقتراب والمشاركة.
لم أفقد صراحتي مع النفس وكرهي لخداع الذات. ولم أفقد صفات مثل الأمل في الخير والتفاؤل بالقادم. إلا أنه تمر فترات صعبة كل عدة شهور أكون فيها أقرب للسوداوية بتوصيفها الطبي (Melancholy)، لكن سرعان ما تتلاشى سحابة الكآبة وتعود السماء صافية، إن جاز التشبيه.
-----
انتهيت من فصل آخر من كتابي الذي أعمل عليه: أساطير الأولين.
ما سبق وشرحته عطلني قليلا، لكن بالأمس أتممت تنسيقه، وخرج في 30 صفحة تقريبا.
الآن أعيد ترتيب المعلومات الخام التي تتناثر على سطح مكتبي، كي تكون كتابة الفصول اللاحقة أيسر. فمرحلة كتابة هذا الفصل زاد من صعوبتها تفرق ملاحظاتي عن الموضوع بين الكثير من الأوراق والقصاصات.. وأظن أن تنسيقها من جديد حسب موضوعها سيساعد كثيرا في عملية تأليف الفصول القادمة.
كلمة تأليف نفسها كلمة سليمة جدا هنا. فالتأليف هو عملية التأليف بين المتناثرات بحيث يكون المنتج النهائي شيئا جديدا، يزيد عن مجموع الأجزاء الداخلة فيه!
-----
انتهيت أيضا من قراءة الجزء الثاني من رواية دوستويفسكي (الإخوة كارامازوف). 500 صفحة مثلت جرعة أدبية رفعت كثيرا من معنوياتي. أسلوب المؤلف في تحليل النفس البشرية يشعرني بالسعادة دائما، ولم تخيب الرواية حسن ظني.
يمكن أن تصفني بأني من محبي كتابات فيودور دوستويفسكي منذ الصغر.. ولهذا ليس غريبا أن تكون قائمة روايات المفضلة تحوي أكثر من عمل له. رواية الجريمة والعقاب، ومذكرات من منزل الموتى، والآن الإخوة كارامازوف.
يمكن أن تتابع ملاحظاتي عن الرواية باستمرار على موقع جودريدز. اسمي هناك هو ibn salama
-----
إن كنت قد استمعت لحلقة (التدوين الصوتي والكتب المسموعة) التي سجلتها ضمن بودكاست شبكة السلامة الذي أقوم بنشره بين الحين والآخر، ثم أثار الموضوع اهتمامك، فأبشرك بأني وجدت قارئا ممتازا تخصص في قراءة الكتب الكلاسيكية الإنجليزية بصوته، وارتفع بالمسألة إلى مرتبة من الإتقان يصعب أن تجد لها نظيرا!
اسمه B J Harrison ، وهو الآن يعرض على موقعه BestAudioBooks تحميلا مجانيا لأول 5 ساعات من قراءته لرواية المونستون (حجر القمر، تأليف ويلكي كولينز).. وهي أيضا ضمن قائمة رواياتي المفضلة منذ قرأتها أول مرة في صغري.
للأسف لا يمكنني الاشتراك وشراء باقي الرواية منه، لأني لا أتعامل بكروت الائتمان على الإنترنت، مع أنه يقدمها لمتابعيه - الذين وصولوا لـ 20 ألف في الأسبوع! - بمبلغ زهيد نسبيا.. 5 دولارات.
لكن خمس ساعات مجانية من الملفات الصوتية متقنة القراءة تكفيني الآن على أية حال.
-----
وما دمنا ذكرنا الروايات الكلاسيكية، فأنصحك برواية محببة إلى نفسي لكنها شبه مجهولة في العالم العربي.
الرواية مؤلفها ياباني، وكتبها وقت الحرب العالمية الثانية، وانتهى من نشرها قبل سقوط القنبلتين الذريتين الأمريكيتين على بلده. وهي تحفظ آخر مراحل الهدوء والشاعرية والحياة الاجتماعية السعيدة في اليابان قبل أن تتحول للبلد المزعج الصناعي المزدحم الذي نعرفه الآن.
فاليابان للأسف هي مثال واضح لغزو الثقافة الأمريكية لبلد ما، واحتلاله من الداخل، بعد أن هزمته عسكريا. وشباب اليابان الآن أراهم وصمة عار في تاريخ بلادهم، لدرجة أشعر معها بالاشمئزاز كلما رأيت تهافتهم على تقليد الغرب والانبهار بالممثلين والممثلات الأمريكان.
اليابان وكوريا الجنوبية تم أمركتهما حضاريا بحيث صار الناتج خليط مشوه من القديم والجديد.. وهذه الرواية تصف بين طياتها أولى مراحل التغير الذي تم.
المؤلف هو جوشيرو ناجازاكي، والرواية هي الأخوات ماكيوكا، وفي الترجمة العربية ربما تجد اسمها (الشقيقات الأربع).
مررتُ بتجربة مزلزلة منذ خمس سنواتٍ تقريباً، و لكنها مستمرة بكل أسف حتي اليوم و لا أزال أعاني من تبعاتها و جديدها. و ليس في الإمكان إلا طلب العفو و العافية من الله تعالي.
ردحذف-----
أنتظر رفعك للفصل الجديد لقراءته بإذن الله تعالي. و لكنك لم تذكر موضوعه.